أطلق العلماء على هرمون "التيستوستيرون" لقب "صانع الرجال" كونه مسؤولاً عن الصوت الجهوري، وزيادة حجم العضلات، ونمو العظام التي تحدد جنس الذكور. عدا عن أنه يساهم في خلق مشاعر العدوانية، وهو حيوي للشهوة الجنسية وللانتصاب الطبيعي والأداء الجنسي، وهو مسؤول، كذلك، عن انتاج السائل المنوي.
ورغم أن "التيستوستيرون" يؤثر مباشرة في الكثير من الأنسجة، فإن أسوأ تأثيراته غير المحبذة لا تظهر إلا عندما يتحول إلى هرمون ذكري آخر، هو "دايهيدروتيستوستيرون" dihydrotestosterone أو (DHT). وهذا الهرمون (DHT) يؤثر في الجلد مولدا أحيانا حب الشباب، ويؤثر كذلك في بصيلات الشعر، مولدا الشعر على الصدر، وغالبا يؤدي إلى فقدان الشعر من الرأس.
ولكن إن كان الصلع الرجالي أمرا عاديا، فإن مرض البروستاتا هو أمر آخر تماما، إذ يحفز هرمون (DHT) أيضا نمو خلايا البروستاتا، الأمر الذي يقود إلى زيادة طبيعية فيها أثناء مرحلة المراهقة، إلا أنه يساهم في حدوث تضخم البروستاتا الحميد، بل وحتى ظهور سرطان البروستاتا لدى الرجال في الأعمار المتقدمة.
و"التيستوستيرون" هو هرمون ذكري رئيسي يقع ضمن عائلة الهرمونات، التي يطلق عليها الأطباء اسم "هرمونات الأندروجين" androgens. وهذا الاسم مناسب تماما وهو مشتق من كلمات يونانية تعني "صانع الرجال". ولكن، وفيما تعرف تأثيرات "التيستوستيرون" على الكثير من أعضاء الجسم، فإن الأبحاث أخذت تتحدى الافتراضات القديمة حول كيفية تأثير الهرمون على قلب الرجال، وعلى الدورة الدموية، والتمثيل الغذائي (الأيض) لهم.
"التيستوستيرون" والقلب
لم تثبت قط أي صلة مباشرة بين "التيستوستيرون" والقلب، إلا أن الأطباء ظلوا، وعلى مدى سنوات، يشكّون في وجود مثل هذه الصلة. وهذا يعود إلى حقيقة أن الرجال لديهم كميات أكبر بكثير من هرمون "التيستوستيرون" مما لدى النساء، وأن أمراض القلب تظهر لديهم قبل نحو عشر سنوات من ظهورها لدى النساء. كما أن خلايا عضلة القلب مثلها مثل خلايا العضلات الأخرى تمتلك مستقبلات مهيأة لاتحاد الهرمونات الذكرية معها. وقد ظهر أن إعطاء الحيوانات "التيستوستيرون" أدى إلى ازدياد حجم القلب لديها.
ويزداد خطر الإصابة بحدة، بارتفاع ضغط الدم، والنوبة القلبية، والسكتة الدماغية لدى الرياضيين الذين يسيئون استخدام "التيستوستيرون"، والستيرويدات الأندروجينية. ولدى تناوله بكميات كبيرة فإن "التيستوستيرون" قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على عوامل الخطر على القلب، ومنها تأثيرات سيئة على مستوى الكولسترول العالي الكثافة HDL الحميد.
وأمراض القلب والأوعية الدموية هي واحدة من الكثير من الأمراض التي تنبه الرياضيين إلى ضرورة عدم إساءة استخدام الستيرويدات. إلا أن حقيقة أن الكميات الكبيرة من "التيستوستيرون" مؤذية للقلب وللتمثيل الغذائي، لا تعني بالضرورة أن الكميات الفسيولوجية منه، ضارة أيضا. وفي الواقع فإن الأبحاث أخذت في تحدي هذه المعتقدات الجامدة القديمة.
صلات معقدة
يجد العلماء صعوبة في دراسة أمراض القلب، وأحد أسباب ذلك هو أن هناك الكثير من عوامل الخطر على القلب، ومنها التاريخ العائلي، والعمر، والجنس، وضغط الدم، والكولسترول، وسكر الدم، والسمنة، والتدخين، وممارسة الرياضة، والشخصية.
كما أنه من الصعب على العلماء دراسة "التيستوستيرون"، فهناك نطاق واسع استثنائي لقيمه العادية. إذ يمكن أن يتراوح مستوى "التيستوستيرون" لدى الرجال بين 270 و1070 نانوغراما (النانو هو واحد من المليار) لكل ديسيلتر (نانوغم/دل). وتتغير مستوياته أثناء النهار، إذ تكون في أعلاها عند الصباح المبكر.
وينتقل الهرمون عبر الدم بثلاث طرق: لنفسه بوصفه "التيستوستيرون" الحر، أو عند اتحاده بقوة مع "البروتين الجنسي الذي يتحد بالهرمون"، وهو الغلوبولين globulin، أو عند اتحاده الضعيف مع بروتين ألبومين albumin.
وتتغير مستويات "التيستوستيرون" أثناء حياة الرجل، إذ يقل مستواه الكلي بنحو 1 في المائة سنويا منذ عمر 40 سنة، فيما تقل مستويات "التيستوستيرون" الحر وكذلك الضعيف الاتحاد (وهما يعرفان سوية باسم ""التيستوستيرون" المتوافر بيولوجيا") بنسبة 2 في المائة تقريبا سنويا.
وتتعزز مستويات "التيستوستيرون" مؤقتا مع ممارسة التمارين الرياضية، إلا أن مستوياته تتدهور عند ازدياد شحوم الجسم كثيرا، خصوصا حول منطقة البطن. وأخيرا فإن بعضا من تيستوستيرون الرجال يتحول إلى "إيستراديول" estradiol، وهو استروجين يؤثر في وظائف الأوعية الدموية، والتمثيل الغذائي، لدى الرجال ولدى النساء.
إن أمراض القلب، و"التيستوستيرون"، هما موضوعان معقدان لحالهما، ولذا فإن الدراسات التي تحاول تقييمهما سوية تظل معقدة. وعلى العلماء الذين يأخذون على عاتقهم إجراء الأبحاث عليهما، أن يأخذوا بنظر الاعتبار كل الأمور التي تؤثر في أمراض القلب، وكل العوامل المتغيرة التي تؤثر في "التيستوستيرون". كما أن العلماء لم يقرروا في ما إذا كان عليهم دراسة الرجال الذين لديهم مستويات عادية من "التيستوستيرون"، أو الآخرين الذين لديهم مستويات منخفضة منه (التي يطلق عليها مصطلح "ضعف المناسل الوظيفي"hypogonadism)، إما بسبب عوامل طبيعية أو نتيجة العلاج بالحرمان من هرمونات الأندروجين، الخاص بسرطان البروستاتا. كما أن الأطباء الذين يدرسون تأثيرات العلاج ب"التيستوستيرون" يمكنهم أن يختبروه على الرجال الأصحاء أو على المرضى بأمراض القلب والأوعية الدموية.
التيستوستيرون وعوامل الخطر القلبية
يبدو أن الكميات الكبيرة من هرمونات الأندوروجين تزيد من مستوى الكولسترول LDL الضار، وتقلل من مستويات الكولسترول HDL الحميد، وهذا هو أحد الأمور التي شوهت سمعة "التيستوستيرون". ولكن وفي ظروف أخرى فإن المسألة كانت مختلفة. فالرجال الذين خضعوا للعلاج بالحرمان من هرمونات الأندروجين لسرطان البروستاتا، انخفض لديهم مستوى "التيستوستيرون" إلى ما يقارب الصفر، إلا أن مستويات الكولسترول زادت لديهم.
وحتى في النطاق الاعتيادي للتيستوستيرون، فإنه وجد أن الرجال الذين كانت مستوياته منخفضة لديهم، اتجه الكولسترول لديهم نحو أعلى مستويات له. وعندما راجع باحثون من معهد "مايوكلينيك" الامريكي نتائج 30 تجربة على العلاج التعويضي بهرمون "التيستوستيرون"، فإنهم لم يعثروا على تأثير ملموس، جيد أو سيء، للعلاج به، على مستويات الكولسترول.
ومرض السكري هو عامل آخر من عوامل الخطر على القلب. ويقود العلاج بالحرمان من هرمونات الأندروجين إلى زيادة مقاومة الجسم للأنسولين، وهذا يؤدي إلى زيادة خطر حدوث مرض السكري. كما أن السمنة هي عامل خطر آخر على القلب وعلى الإصابة بالسكري. والرجال الذين يكون مستوى "التيستوستيرون" قليلا لديهم، وتكون لديهم شحوم في أنحاء الجسم وأخرى حول منطقة البطن، هم أكثر تضررا مقارنة بالرجال الذين لديهم مستويات أعلى من "التيستوستيرون". ولكن، وما دامت السمنة تقلل من مستوى "التيستوستيرون" فإنه من غير الواضح أيهما السبب وأيهما النتيجة.
ومرض الشرايين المحيطية، هو واحد من أشكال تصلب الشرايين، وهو أيضا مؤشر على مخاطر أمراض القلب. وقد ربطت نتائج دراسة سويدية أجريت على ثلاثة آلاف رجل كان متوسط أعمارهم 75 سنة، بين انخفاض "التيستوستيرون" وازدياد مستوى "إيستراديول"، وبين ازدياد خطر مرض الشرايين المحيطية.
ولا تتوفر معلومات حول صلة "التيستوستيرون" مع عوامل الخطر الأخرى. وفي الوقت الحاضر لا يبدو أن هذا الهرمون يرتبط بضغط الدم العالي أو بعلامات الالتهاب.
التيستوستيرون ووظائف القلب والأوعية
لقد ربط المستوى المنخفض من "التيستوستيرون" مع مختلف أنواع عوامل الخطر على القلب، إلا أن ذلك لا يبرهن على أن المستويات القليلة منه تتسبب في أمراض القلب. ومع هذا، فإن كان العلاج ب"التيستوستيرون" يقدم مساعدة ما للرجال المصابين بأمراض في القلب، فإنه سيعزز الفكرة القائلة بأن "التيستوستيرون" ربما يكون آمنا للقلب. إلا أنه لم تنشر سوى دراسات قليلة صغيرة أجريت لفترات قصيرة حول هذا، كما أنها قدمت نتائج مختلطة بشأن هذه النظرية.
وتحتوي خلايا الأوعية الدموية وعضلة القلب على مستقبلات يتحد معها "التيستوستيرون"، وتظهر لدى الرجال الذين يخضعون إلى العلاج بالحرمان من هرمونات الأندروجين، وأوعية دموية متصلبة بشكل غير طبيعي. أما لدى الرجال المصابين بتصلب الشرايين ولديهم مستويات عادية من "التيستوستيرون"، فإن العلاج لمدى قصير بكميات إضافية منه، يحسن استجابات الأوعية، وتدفق الدم فيها.
وإن كان "التيستوستيرون" يساعد الأوعية الدموية فعلا على التوسع، فإن بمقدوره المساعدة في تحسين حالة الذبحة الصدرية لدى الرجال المصابين بأمراض في الشرايين التاجية.
وقد قيمت تجربة اجريت في عام 2000 حالات 46 رجلا مصابين بالذبحة الصدرية المستقرة، ولديهم مستويات منخفضة - عادية من "التيستوستيرون" في الدم، تم توزيعهم عشوائيا للعلاج على مدى 12 أسبوعا بلصقات "التيستوستيرون" أو بلصقات من الأدوية الوهمية. وخضع كل رجل لتمرين إجهاد قياسي قبل العلاج وبعده. وبالمقارنة مع الرجال في مجموعة اللصقات الوهمية، فقد أظهر الرجال الذين استخدموا لصقات "التيستوستيرون" تحملا أفضل أثناء ممارستهم تمرين الإجهاد عند انتهاء التجربة، إلا أن الفارق كان طفيفا، ولم يصل إلا إلى نجاح بزيادة فترة التمرين بـنحو 26 ثانية فقط! وقارنت دراسة مماثلة اجريت عام 2004 عمليات حقن "التيستوستيرون" أو الأدوية الوهمية في عشرة رجال من المصابين بالذبحة الصدرية ولديهم مستويات منخفضة من "التيستوستيرون". وأدت فترة شهر من العلاج، إلى زيادة فترة تمرين الاجهاد بنحو 74 ثانية من دون تغيير في مستويات الكولسترول HDL الحميد، أو LDL الضار.
وفي دراسة ثالثة اجريت عام 2004 أعطيت حقن "التيستوستيرون" أو الأدوية الوهمية إلى 20 رجلا مصابين بعجز القلب. وبعد 12 أسبوعا أدى "التيستوستيرون" إلى زيادة بنسبة 33 في المائة في المسافة التي قطعها الرجال خلال مشيهم أثناء تمرين الإجهاد على الدواسة الكهربائية، إضافة إلى تخفيف أعراض حالاتهم.
وفي دراسة اجريت عام 2008 قدمت جرعات في الفم من "التيستوستيرون" ومن الحبوب الوهمية لـنحو 22 رجلا مصابين بأمراض الشرايين التاجية، ولديهم مستويات منخفضة من "التيستوستيرون". وقد أدى العلاج بهذا الهرمون إلى زيادة قليلة في تدفق الدم نحو عضلة القلب بعد توسيع الشرايين التاجية السليمة، وليس الشرايين المسدودة جزئيا. كما عزز "التيستوستيرون" عملية انقباض عضلة القلب. ومع هذا فإن العلاج لم يؤثر قط في آلام الذبحة الصدرية، كما أنه قلل من مستوى الكولسترولHDL الحميد.
ضعف الانتصاب وقلة هرمون "التيستوستيرون"
يصبح ضعف الانتصاب، أكثر شيوعا مع تقدم الرجال في العمر، وهي الفترة التي تنحسر فيها مستويات "التيستوستيرون". ويلقى الكثير من المصابين بضعف الانتصاب، الذين يعانون من سوء أدائهم الجنسي، اللوم على تدهور مستوى الهرمونات.
ولكن هل هذا صحيح؟ للإجابة عن ذلك أجرت دراسة "شيخوخة الذكور في ماساشوسيتس" استطلاعا لنحو 625 رجلا بصفة عشوائية، تراوحت أعمارهم بين 40 و70 سنة. وظهر أن 41 في المائة منهم يعانون من ضعف جنسي متوسط إلى شديد. ولم تظهر أي صلة بين ضعف الانتصاب وبين المستوى الكلي للتيستوستيرون، والبروتينات التي تتحد مع الهرمونات الجنسية.
كما توجه أطباء في استراليا إلى دراسة جانب آخر من هذا الموضوع، وذلك بقياس مستويات "التيستوستيرون" لدى 1455 رجلا كانوا يعانون من حالات الضعف الجنسي. ولم ترصد الدراسة مستويات ضئيلة منه إلا لدى أقل من 6 في المائة منهم.
إن ضعف الانتصاب ينجم، على الأكثر، من أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، أو الآثار الجانبية للأدوية، أكثر من ظهوره نتيجة نقص في "التيستوستيرون".
و"التيستوستيرون" له الفضل - وكذلك يلقى عليه اللوم- في كل ما يحدث.. ابتداء من "غضب السائقين في الطريق"، أو ضرب الكرة بسرعة تصل إلى أكثر من 140 كلم في الساعة، أو الإصابة بسرطان البروستاتا. ولكن هل يمكنه أيضا تفسير التغيرات العاصفة في سوق الأسهم؟ لهذا الغرض، قام باحثون بريطانيون بقياس مستوى "التيستوستيرون" والكورتيزول cortisol (وهو من هرمونات التوتر) في عينات من لعاب 17 رجلاً من الرجال المتاجرين بالأسهم، استخلصت منهم مرتين في اليوم على مدى ثمانية أيام. ووجدوا أن مستويات "التيستوستيرون" المرتفعة في الصباح قد ارتبطت بيوم ناجح مربح بنشاطاته التجارية. وبعكس ذلك فإن مستويات الكورتيزول المرتفعة تم رصدها في فترات تداول الأسهم السيئة.
وهذه الدراسة صغيرة وأولية. ولكن، إن كان "التيستوستيرون" يرتبط بالعدوانية فإنه قد يفسر أيضا سلوكيات المقامرة بالاستثمارات.
أعراض نقص "التيستوستيرون"
مؤشرات قوية:
تدني الشهوة الجنسية (الدافع الجنسي).
هشاشة العظام أو التعرض لكسور صغيرة.
هبات ساخنة وتعرق ليلي.
العقم.
أعراض غير محددة:
قلة حالات الانتصاب التلقائي.
فقدان الوزن.
فقدان كتلة العضلات.
الإجهاد.
الكآبة.
فقر الدم.
كبر الصدر.
قلة نمو شعر الوجه والجسم.
تقلص حجم الخصيتين، أو صغرهما.
تدهور الوظائف البدنية.
إعادة ينبوع الشباب بين زرع الخصية و"لصقات" التيستوستيرون
ظلت مسائل زرع الخصية تحير العلماء لقرون عديدة، وخصوصا منهم - كما تحوم الشكوك - الأطباء من ذوي الأعمار الكبيرة! وقد تمكن الدكتور جون هانتر من إجراء أول تجارب ناجحة على الحيوانات في أواسط القرن الثامن عشر، حيث زرع خصية الديكة في أجسام الدجاج. وفي القرن التاسع عشر بدأ الأطباء في إجراء تجارب على زرع أعضاء حيوانية في البشر، إلا أن محاولتهم لإعادة ينبوع الشباب