وما لبِثت الأوضاع أن تبدّلت بحلول صباح السبت، حيث باءت مُحاولة الانقلاب بالفشل، لتقتصر في نهاية الأمر على مجموعة من الصور التي تُسجّل لحظات استسلام مُدبّري الانقلاب للحشود من القوات الموالية للحكومة، وخروجهم من الدبابات والشاحنات واضعين أيديهم فوق رؤوسهم.
وفي الوقت الذي أعلنت الحكومة عن ضبط 6 آلاف شخصًا على الأقل يُعتقد تورّطهم في التآمر ضد أردوغان وتدبير مُحاولة قلب نظام الحكم، بدأت تساؤلات تلوح في الأُفق حول الكيفية التي حاول من خلالها هؤلاء المتآمرين الانقلاب على القيادة الحالية، وماهيّتهم، ودوافعهم للإقدام على هذا الأمر.
في هذا الشأن، زعمت الحكومة التي يترأسها رجب طيّب أردوغان، أن مُدبّري الانقلاب يتبعون حركة إسلامية يقودها الداعية فتح الله كولن، تُدعى "الخدمة" أو Hizmet، يُعتقد أنها تحمل دعمًا وتعاطفًا من قِبل الآلاف في مُختلف أنحاء تركيا، يتكاتفون جميعًا للتآمر من أجل قلب نظام أردوغان، فيما نفى كولن تورّطه.
"محاولة الانقلاب تحمل بصمات فتح الله كولن في كل مكان"، هكذا نقلت صحيفة الجارديان البريطانية تصريحًا على لسان مصدر تركي رفض ذِكر اسمه.
وأضاف المصدر: "العديد من مُدبّري الانقلاب الفاشل كانوا على اتصال مباشر بكبار أعضاء حركة كولن، كما أن الكثير منهم كانوا قد التحقوا بالخدمة العامة بتوجيهات من كولن وأتباعه، وظلّوا موالين له وللشبكات التابعة له في كل مكان".
ووفقًا لرواية الحكومة، فقد حمل المتآمرون في جُعبتهم خططَا حول كيفية إدارة تركيا في مرحلة ما بعد الانقلاب، كما كانت لديهم قائمة تضُم أسماء 9130 شخصًا خطّطوا لإلقاء القبض عليهم، و100 آخرين من الموالين لهم خطّطوا لتعزيزهم ودعمهم، فضلًا على خططهم لتعيين حُكّام عسكريين في كل مِنطقة، واستبدال رؤساء جميع المؤسسات الحكومية في الدولة.
غير أن بعض المُراقبين يُشكّكون في صحة الروايات الحكومية، سواء على صعيد تورّط كولن في مُحاولة الانقلاب الفاشلة، أو على صعيد وجود خطط مُسبقة لدى المتآمرين تتعلّق بإدارة شؤون البلاد في مرحلة ما بعد الانقلاب؛ حيث يعتقد Aslı Aydıntaşbaş، المُحلّل التركي بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن العملية كانت مُخطّطة جيدًا، ولكنه يشكّ في تورّط حركة "الجهد" وحدها فيها.
وقال Aydıntaşbaş: "سبق وأن خرجت الحكومة لتوجّه أصابع الاتهام إلى فتح الله كولن وحركته فقط، ولكنني أظن أننا في حاجة إلى أن نفترض مُشاركة حلفاء آخرين مع (القوات المُسلّحة)، خاصة وأنها عملية بدا واضحًا أنها مُخطّطة بشكل جيد مع إجراء العديد من العمليات والتحرّكات التي تخلّلتها ووقعت في مختلف أنحاء البلاد في آنٍ واحد".
في المقابل، يشكّ آخرون في اتصال حركة "الجهد" فقط - لأنهم يعتقدون أن الانقلاب كان مُخطّطًا بشكل سيء- "أشك في ذلك، لأنه من الصعب أن تُشارك حركة كولن في عملية تمّت بطريقة (الهواة)، باءت بالفشل الذريع"، هكذا جاء رأي أستاذ العلوم السياسية بجامعة أنقرة، دوجو أرجيل.
من جهته، أعرب سنان أولجن، المُحلّل التركي بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، عن دهشته من الإقدام على مثل تلك المحاولة، لاسيّما وأن ضباط الانقلاب لم يكن لديهم الدعم الكافي من داخل الجيش، لذلك افتقروا إلى الموارد التي تُمكّنهم من إتمام خطتهم على نحو ناجح.
وفي الأساس بدا مُدبّرو الانقلاب غير مُبالين بالقيام بالمهام التي عادة ما تكون جزءًا لا يتجزّأ من أي انقلاب ناجح، فعلى سبيل المثال اكتفوا بالسيطرة على التليفزيون الرسمي التركي دون الاكتراث بالمحطات الخاصة، التي منحت الفرصة للحكومة لإعلان توجيهاتها للشعب على مدى الساعات التي شهدت محاولة الانقلاب.
كما قاموا بإلقاء القبض على رئيس هيئة الأركان خلوصي عكار، واستولوا على الجسر الرئيسي في اسطنبول، ومقر قيادة الجيش في أنقرة، فيما نجا المعارضون الرئيسيون الذين مثّلوا ألدّ أعداءهم وذريعة انقلابهم- وهُم أردوغان ورئيس وزرائه بينالي يلديريم – بل ومنحوهم الفرصة لحشد أنصارهم والموالين لهم بما ساهم في إحباط مُحاولة الانقلاب.
واستكر "أولجن" استراتيجية الهواة التي اعتمد عليها مُدبّرو الانقلاب، متسائلًا في سُخرية: "كيف اعتقدوا أن قيامهم بالسيطرة على مقرّ القيادة العسكرية والتليفزيون الرسمي وتحليق عدد من الطائرات وغلق جسر البسفور سيكفُل لهم النجاح؟!"، مُشبّهًا تلك المحاولة بانقلاب "الكاميكاز" الفاشل في اليابان.
من جهة أخرى، تُشير نظريات المؤامرة إلى أن نجاة أردوغان دليل على أن مُحاولة الانقلاب ليست حقيقة وأنه لم يكُن هُناك مُخطط من الأساس، وأن الأمر ينطوي على خُدعة من أردوغان، فيما يلوح تفسير أكثر منطقية في الأفق يُفيد بأن "مُدبّري الانقلاب تم دفعهم إلى تلك العملية بتدبير من الحكومة".